علوم القطيف مقالات علمية في شتى المجالات العلمية
معدن زجاجي شبه بلوري تشكل من الرمال المنصهرة والأسلاك النحاسية وغيرها من الحطام يحتوي على مادة مرتبة لكن لا يمكن تكرارها.
وصف عجيب لا يتوافق مع علم الفيزياء ولا علم الكيمياء الذي نعرف، لكنه حقيقة ماثلة أمامنا ، معدن تم إكتشافه مؤخرا في مكان أول تجربة للقنبلة الذرية في العالم وكان ذلك بصحراء ولاية نيو مكسيكو الأمريكية عام 1945م. في حينها وفي لحظة ، انفجر جهاز بلوتونيوم مطلي بالمعدن يُدعى “Gadget” ، مما أدى إلى ظهور كرة نارية عملاقة ارتفعت عالياً في السماء. كان هذا أول إختبار لأول تفجير نووي، وكان يحمل الاسم الرمزي (Trinity).
بفعل الحرارة العالية والضغط المرتفع ذاب كل شيء، وإندمج كل شيء في كل شيء ، والنتيجة مادة زجاجية شبه بلورية فريدة من نوعها. شبه البلورات ذات الهياكل غير العادية وغير المتكررة يبحث عنها العلماء في كل مكان وتسمى بالمواد المستحيلة، لإستحالة العثور عليها بشكل طبيعي على الكرة الأرضية.
تم العثور على هذه العينة المدهشة من الترينيتيت الأحمر في مكان الإنفجار النووي والذي تم عام 1945م بصحراء نيو مكسيكو بأمريكا ، وتحتوي على نوع غير معروف سابقًا من شبه البلورة. وسميت بالترينيتيت نسبة الى اسم التفجير الرمزي ترينيتي (Trinity).
تتكون البلورات الطبيعية من ذرات مقفلة في شبكة تتكرر في نمط منتظم. بينما تحتوي البلورات شبه البلورية على لبنات بناء من الذرات منظمة مثل البلورة الطبيعية ولكن لا تتكرر. البلورات شبه البلورية يمكن أن يكون لها خصائص فريدة من نوعها ولا تتمتع بها البلورات العادية. ويعتبر اكتشاف هذه الشبه بلورة هو اكتشاف أول بلورة من صنع الإنسان وهي شبيهة لبعض البلورات التي تظهر في النيازك القادمة من الفضاء البعيد الى الأرض. مثل تلك العينة التي تم اكتشافها من نيزك “خاتيركا” في روسيا عام 2016م.
شبه البلورات عادة ما تكون خضراء اللون لكن اذا غلب النحاس عليها يكون لونها أحمر. وهي عبارة عن قطع صغيرة جدا في الحجم لا يتجاوز عرضها 10 ميكرومتر . ولأن شبه البلورة الجديدة ، المكونة من السيليكون والنحاس والكالسيوم والحديد ، هي نتيجة إنفجار القنبلة الذرية فهي تعتبر مادة “جديدة تمامًا على العلم الحديث” ، ولم يتم دراستها بشكل مستفيض بعد.
إن شبه البلورة المكتشفة حديثًا من موقع الاختبار في نيو مكسيكو هي الأولى التي صنعها البشر. فقد فحص العلماء عينة حمراء من بقايا حطام الإنفجار النووي تحت المجهر الإلكتروني (لا يتجاوز عرضها 10 ميكرومتر – أطول قليلاً من خلية الدم الحمراء في دم الإنسان) ، واكتشفوا شبه بلورة خماسية الجوانب ذات بنية ذرية لم يسبق رؤيتها على الأرض من قبل. فكل مخلفات التفجير النووي تذهب وتتلاشى مع الزمن الا شبه البلورات تبقى الى الأبد ، ربما كشاهد عيان.
يقول تيري سي والاس ، المدير الفخري لمختبر لوس ألاموس الوطني حول هذا الاكتشاف: “شبه البلورة هذه رائعة في تعقيدها – لكن لا أحد يستطيع أن يخبرنا حتى الآن عن سبب تشكلها بهذه الطريقة”، (المصدر 4).
“تيري سي والاس” (المدير الفخري لمختبر لوس ألاموس الوطني وهو مختبر لوزارة الطاقة الأمريكية ، تم إنشائه مع بداية الحرب العالمية الثانية لتصميم الأسلحة النووية ، ويقع في ولاية نيو مكسيكو) ، استمع له وهو يشرح كيف تم تفجير أول قنبلة نووية في العالم (عام 1945م) وكيف يمكن أن تتشكل المادة المستحيلة (الشبه بلورية) (المصدر:4):
إكتشاف المواد الشبه بلورية ومعرفة خواصها وكيف تشكلت ، قد تساعد الأجيال القادمة على فهم أفضل لكل ما يتعلق بالانفجارات النووية الكونية على مدى مئات الملايين من السنين في الفضاء السحيق، و تلك التي من صنع الإنسان – وربما تتشكل البصيرة الإنسانية المطلوبة مثل ما تشكلت عينة الترينيتيت الأحمر، لمنع انتشار الأسلحة النووية. ولعل الإنسان يتفهم ويضع أمام نصب عينيه كيف إستحال الرمل وبعض المعادن الى معدن زجاجي شبه بلوري غريب على طبيعة الأرض ونظامها المعدني ، وكيف استحالت أجساد سكان هيروشيما ونجازاكي الى غاز يتصاعد الى السماء في مشهد شبه إنساني لم يسبق له مثيل. رحماك يا رب إن لم يمتلك بني آدم البصيرة.
المصادر:
- https://www.sciencenews.org/article/new-quasi-crystal-formed-first-atomic-bomb-test
- https://www.scientificamerican.com/article/first-nuclear-detonation-created-impossible-quasicrystals/
- https://www.msn.com/en-us/news/technology/worlds-first-nuclear-bomb-test-created-rare-otherworldly-crystal/ar-AAKd0UC?li=BBnbfcL#image=1
- https://interestingengineering.com/scientists-found-a-quasicrystal-from-a-1945-nuclear-explosion
- https://www.nature.com/articles/d41586-021-01332-0