قبل أكثر من شهرين أرسل لي أحد الأصدقاء صورا حديثة لفرقة كشفية قديمة مكونة من أعضاء تجاوزت أعمارهم سن الشباب وفيما يبدو أنهم من رواد كشافة المنطقة الشرقيه ، وقد أُلتقطت لهم هذه الصور أثناء ممارستهم لبعض الأنشطة الإجتماعية في هذه الأيام رغم مايبدو على غالبية افرادها من بلوغهم سن التقاعد أو تقارب بعضهم منه.
كما وقد اردف في تعليق له على تلك الصور عبر وسائل التواصل الإجتماعي بقوله أنها أول وأقدم فرقة في المنطقة. ثم سألني إن كنت أعرف بعض افرادها، فأجبته بأني أعرف بعضهم ولكني أعرف شيئا آخر أيضا!
فسألني عما هو؟
فأجبته بأني أعرف أيضا أقدم فرقة كشافة تكونت في القطيف وهي من أقدم الفرق الكشفية في المملكه وكان قائدها الكشفي معلم يعرف بالأستاذ أديب دلول وكذلك الأستاذ عبدالرحمن طموني فهما يتناوبان في قيادتها ويخْرجان سويا معهم في الرحلات الكشفية، ويعود إنشاء هذه الفرقة الكشفية إلى ماقبل عام ١٩٥٥م. رحم الله الماضين منهم وأطال في أعمار الباقين منهم ومتعهم بصحة وعافية ، فمن المتوقع أن أعمار من تبقى منهم على قيد الحياة قد تجاوز السبعينات والبعض قد بلغ الثمانينات.
حين تكونت هذه الفرقة لم يكن في المملكة إلا فرق معدودة على الأصابع ولعل أقدمها في الحجاز. ويرجع سبب ندرة تكوين الفرق الكشفية لأمور عديده أولها ندرة وجود المدارس في ذلك الوقت وثانيها عدم إقبال الطلاب على الإنخراط في سلك الكشافة لما يلاقونه من معارضات شديدة عليها وذلك من قبل أهاليهم فهم قد يرون أن العمل الكشفي غير لائق بالمجتمع بالإضافة إلى معارضتهم على مايتعلق بها من الملابس التي يرتديها أفراد الكشافة والمكونة من سراويل (بناطلين) وشورتات وكذلك الأدوات كالطبول والمزامير والأناشيد والرحلات ، ولعلهم يرون أنها متعارضة مع بعض الأعراف والمثل الإجتماعية وكذلك قد يصل سبب المعارضة في نظر البعض منهم إلى أنها تتنافى مع بعض المبادئ الاخلاقيه والعقائديه.
لقد إرتبط تاريخ تأسيس الفرقة الكشفية في القطيف ببدئ تأسيس المدارس الرسمية الحكوميه وأولها كانت مدرسة ابتدائية.
من المعروف أن أهالي القطيف كانوا يحرصون على تعليم أبنائهم لما للأمر من أهمية للعلم في نظرهم بشكل عام وكذلك لما له من آثار كبيرة في مستقبل أبنائهم في مجالات متفرقة كالتجارة وفي تعليم المبادئ الدينيه والثقافيه ، وكذلك لما لها من مردود إيجابي في سائر الأعمال وخصوصا في الخطابه والتدوين ومسك سجلات التعاملات أو الحصول على وظيفة مرموقة، وكان القلة من المقتدرين يرسلون أبناءهم إلى المناطق المجاوره كالبحرين والعراق لتعليمهم، لذا فقد قام الكثير من الأهالي بفضل مجهوداتهم الشخصيه بتأسيس المدارس ومحاولة تحويل وتطوير نظام الكتاتيب (المعلم) والمعروف أيضا (بالكيتب) إلى مدارس منهجية حديثة ، فمن جملة من قام بذلك بعض المدرسين من عائلة الغانم كالمعلم احمد علي الغانم وغيرهم والذي خصص بيته كمدرسة لجميع من أراد تلقي العلم وذلك عند اغلاق المدرسة الرسمية لظروف طارئة قد يرجع سببها للأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية. ويذكر أن أول مدرسة حكومية كان مقرها منزل عبدالرزاق الكردي ثم بعد ذلك بيت عبدالحميد أبو السعود.
وبعد المطالبة والمثابرة على متابعة الأمر وخصوصا بعد تحسن الأحوال الأقتصادية فقد اصدر المغفور له الملك عبد العزيز قرارا بإنشاء عدة مدارس في القطيف والأحساء وذلك في عام ١٣٥٠ هجري الموافق ١٩٣١م. وعليه فقد أعيد افتتاحها رسميا في عام ١٣٦٦ وكان مقرها عمارة النهاش بسوق الجبله. وبعدها بعام واحد تم الانتهاء من بناء أول مدرسة رسمية حكومية ابتدائية لتستقبل الطلاب المنتظمين دراسيا في مقرها الحكومي الجديد الواقع بعد الزاوية الشمالية الشرقية من القلعة (عند برج التيل) ، وذلك عام ١٣٦٧ هجريه الموافق ١٩٤٨م ، وقد كان مسماها مدرسة القطيف الإبتدائية الأولى والتي تحول اسمها فيما بعد الى مدرسة الحسين بن علي الإبتدائية (عام ١٣٨٩هج/ 1969م)، فهذه المدرسة تعد من أقدم المدارس السعوديه الحديثه.
من الطبيعي أن اعمار الطلاب في بداية الأمر كانت متفاوتة وقد يكون الفرق كبيرا وهذا يتضح لنا من خلال ملاحظاتنا على ما تظهره بعض الصور الفوتوغرافيه.
لعبت الصور الفوتوغرافيه دورا كبيرا في التوثيق التاريخي لتلك الحقبة في منطقتنا وخصوصا أن موضوع التصوير في هذه المنطقة أمر مرحب به نسبيا إذا ما قورن ببعض المناطق الأخرى وسبب آخر هو كثرة وفود الأجانب المهتمين بالتصوير على هذه المنطقة لكونها منطقة أثرية سياحية وذات مستقبل في انتاج البترول.
هنا اود أن أشير إلى أن المدرسة فور افتتاحها قد تأهلت لتتبني بعض الأنشطة اللامنهجية والتي كان أبرزها تأسيس فرقة كشافة القطيف والتي تعد هي الأخرى من أوائل الفرق الكشفية على مستوى المملكه بل ويؤكد أحد أعضائها (وهو لايزال حيا يرزق- أطال الله في عمره) بأنها أول فرقة كشافة رسمية في المنطقة للشرقية وقد عرف عنها بنشاطها الإستطلاعي الدؤوب بما فيه من زيارات المدن والمناطق المختلفة في المملكة ، وكذلك قيامها ببعض الرحلات البحريه والانشطة الرياضية والترويحيه والخدمات الإجتماعية والإعدادات لمراسيم استقبال الوافدين للقطيف الرسميين.
فلا يفوتني هنا أن أذكر أيضا أحد الإنجازات الكشفية الرائده والمتميزة لفرقة كشفية مخضرمة ولعل أحد افرادها هو من نفس ذلك الرعيل المذكور إذ أن هذه الفرقة قد تصدرت الأولوية في قطع مسافة دولية من المملكة العربية السعوديه إلى دولتين مجاورتين بالدراجات الهوائيه وقد بلغ طول الرحلة أكثر من ٥٩٠ كيلومترا وتحديدا من السعوديه – القطيف إلى الكويت ثم مواصلة الجولة ليكون ختامها في العراق – البصره ثم العودة إلى أرض الوطن بنفس الدراجات الهوائية وعلى نفس المسار، لقد حدث هذا في نهاية ستينات قرن العشرين الماضي ففي يوم الثلاثاء ٢٩جمادي الأولى لعام ١٣٨٩هج الموافق 1969/8/13 قد تمت المهمة بسلام.
كان ذلك الإنجاز فريدا من نوعه في تلك الأيام لدرجة أنه كان متصدرا لحديث الساعه ولتناول الصحف موضوعه وكان الفريق مكون من خمسة رواد أبطال تحت مظلة نادي الشاطيء وهم محمد عبدالكريم المصطفى (القائد)، وعلي الشعباني (نائب القائد) وميرزا عبدالمحسن اليوشع وشاكر احمد الجشي وعلي الليرات (رحم الله من توفي منهم واطال في اعمار الباقين). لقد استغرقت الرحلة ٣٠ يوما وكانت رحلة ناجحة مسددة الخطى مليئة بالمفاجآت مفعمة بالخبرات فلم تشوب رحلتهم أي شائبة سوى درجة الحرارة اذ أن رحلتهم كانت في أوج الصيف بين يوليو وأغسطس فوضعوا حلا للتغلب على هذه المشكلة وذلك بالتركيز على السير ليلا بالإضافة إلى اتخاذهم الحيطة والحذر بإتباع طرق الأمن والسلامة لتجنب اخطار الزواحف الصحراوية السامه.
عند وصولهم الكويت كان في استقبالهم الحافل أفراد من نادي جوالة الكويت حيث انطلقوا بعدها في جولة لزيارة معالم الكويت تحت إشراف مرشدي نادي الجوالة الكويتي. ثم غادروا الكويت ليتجهوا بعدها إلى البصره وقد استقبلهم هناك وفد من رعاية الشباب العراقي وأعد لهم برنامجا خاصا لزيارة معالم المدينه.
وعند العودة لأرض القطيف استقبلهم اعضاء نادي الشاطيء ولفيف من أهالي القطيف وقد عقبه حفل تكريمي لهم في النادي وقدمت لهم خلالها جوائز تذكارية.
هنا أرجع لأسترسل في حديثي مع صاحبي عن أول فريق كشافه في القطيف ولأبرهن له بالصور عن مدى قدم تلك الفرقة وعن تاريخ تأسيسها التقريبي وتعريفي لبعض أفرادها الذين ميزهم بنفسه وتذكر وجوههم، بعد أن عرضت عليه جميع تلك الصور والتي كانت في حوزة أخي أحمد -رحمه الله- وهو يعرفه تمام المعرفة. ثم استرسلت لأذكر له بعض أسماء أفراد تلك الفرقة الكشفية الذين يمكن للبعض أن يميزوا وجوههم في هذه الصور المعروضه.
إن ملامح وجوه الذين عرفتهم لاتزال مرسومة على جدران الذاكره فهم الذين تواصلوا في صداقتهم مع أخي رحمه الله بعد انتهاء أيام زمالتهم الدراسيه ولطالما تكررت زياراتهم لبعضهم حين أصبحوا رجالا ، فكنت أراهم وأميزهم وأسمع كل منهم ينادي الآخر بإسمه وأقارنهم بصورهم فأتعجب من سحر الصورة التي تجمد ملامح كل شئ في زمن معين بينما يمضي هذا الزمن ليغير ملامح كل شئ من بشر ومعالم وأماكن وأحداث بينما تظل الصورة ثابتة محتفظة بما جمعته في تلك الأيام فيزداد تعجبي تارة وأغوص في أعماق التأمل تارة أخرى لما أدركه من تغيرات فسيولوجية طرأت على هؤلاء فمن عنفوان الشباب إلى مرحلة الكهولة وحتى الإقتراب من الشيخوخة.
كنت اميز وجوه البعض منهم فقط ولكني للأسف لم أعرف أسماء إلا القلة منهم وكنت أستمع إلى أحاديثهم (الشيقة) عن معلميهم وعن تلك الأيام والتحدث عن صفات وميزات كل واحد منهم وبعض المواقف التي تعرضوا لها كطلاب ، المضحك منها والمحرج ، فيصحبوني معهم من حيث لا أشعر إلى عالمهم الذي لم يسبق لي رؤيته من قبل ولكني أضطر لبنائه من الخيال وأما بوابته فهي هذه الصور التي ألج من خلالها في أعماقه، واما مايعينني على استحضار ملامح بقية شخصيات ذلك العالم من معلمين وبقية زملاء أمام مخيلتي فهي مأذبة العشاء التي لازلت أتذكرها والتي أقامها أخي على شرف حضور لفيف من هؤلاء المعلمين وزملائه من الطلاب ولازلت أتذكر إستقبال والدي وأعمامي لهم ولازلت أتذكر تصفحي لوجوههم واحدا تلو الآخر.
بعدها دارت رحى الزمان (ومضى كل إلى غايته) فمنهم من قضى نحبه وإلى رحمة الله ومنهم من نسأل الله أن يطيل في أعمارهم ويمتعهم بصحة وعافيه.
المجتمع القطيفي بشكل خاص يعشق الصورة القديمة التي تحكي قصة مجتمعه وبيئته في تلك الأيام ، وذلك لما يمتاز به هذا المجتمع من عراقة ولحمة بين الأفراد وكذلك لشدة التصاقهم بأرض القطيف التي لايفارقونها إلا مضطرين مع إصرارهم على العودة في أقرب الفرص ، فحين تقع أنظارهم على مثل تلك الصور التي تنبه الذاكرة من غفوتها وترجع بهم لتلك الأيام الخوالي فهي بالنسبة للكثير منهم كما الكنوز القارونية حيث تتفرسها نظراتهم وتحرك عواطفهم ويرقص لها القلب نشوة وطربا فيدلي الجميع بملاحظاتهم حول كل عنصر من عناصرها سواء كانت تلك العناصر متمثلة في أشخاص أو في معالم أو أدوات أوطبيعة أو بحر أو زراعة أو أسواق تخص هذا البلد، كما أن هناك الكثير منهم من يتتبع مصادر هذه الصور القديمة ليحظى باقتنائها.
وكم تزداد تلك الصور معزة في أنظارهم عندما تحتوي على مايهمهم أو على شيء يخصهم كأحد من أفراد الأسرة أو الأقارب أو الأصدقاء – وخصوصا ممن رحلوا عن هذا العالم – أو انها تحتوي على معلم يخصهم كبيت او دكان أوسوق أو ساحة تعودوا أن يكونوا من مرتاديها.
بعد اقتناع صاحبي الذي كنت أحاوره حول موضوع أول فرقة كشفية فقد بدأ في التفحص والتركيز ومن ثم التساؤلات حول تلك الصور بهدف التعرف على وجوه من هم فيها وبعد أن ميز وجوه بعض الأشخاص فور ذكري لأسمائهم ، لذا فإني أتوقع من الكثير وخصوصا هؤلا الذين يستهويهم شغف الفضول وحب الإستطلاع رغبة في الإكتشاف بعد مشاهدتهم لهذه الصور والتي أتمنى أن تصل إلى أكبر شريحة منهم فمن المؤكد حتما أنهم سيتمكنوا من التعرف ولو على بعض من فيها.
لقد عرفت صاحبي على بعض الوجوه في تلك الصور أمثال أخي أحمد علي الغريافي رحمه الله وسعيد سلمان عبدالهادي الحبيب وعبد الرؤوف احمد العبد الجبار ومهدي العاشور وعلي حسن سلاط ومهدي علي الموسى وتقي آل اسماعيل و سعيد (ميرزا) احمد الحوار ومحسن الضامن. رحم الله من توفي منهم وحفظ الباقين منهم ومتعه بعمر مديد وصحة وعافيه.
شكرا للاخ عبد الرسول على هذه المعلومات الشيقه نطمح للمزيد
الله يعطيكم العافية لجميع من شارك شكرا لكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انا اذكر هذه المدرسه كانت ايام جميله
الفصول كانت بدون مقاعد كنا نجلس على الحصر او المديد
يا الله كانت ايام حلوه وكنا نمشي من مياس الى المدرسه
كل يوم. والله الواحد يعجز هو يوصف هذه الأيام.
شكرا على هذا التقرير . لازلت أحمل ذكريات غالية عن القطيف عندما درست فيها عام 1960 – 1961 م في المدرسة الثانية موقعها مقابل سوق ااخميس وكان مديرها الاستاذ / الخالدي . من زملائي بالصف الرابع ابتدائي : محمد علي المرهون وكامل أحمد الشماسي وعبدالله أحمد أبو راضي .. وغيرهم من الزملاء الأفاضل . أتذكر وجود فرقة كشفية بالمدرسة الثانية تعزف المارشات الموسيقية ولها نشاط مميز .. حاليا أنا مقيم بالطائف .. تحياتي لكم
مرحبا بك استاذ عبد الله أحمد الغامدي،،، تشرفت بتعليقك كثيرا على مقالي وفرحت لوفائك الجميل الرائع لمنطقة من مناطق بلادك التي عشت فيها أيام طفولتك وأنك لازلت تتذكر ذكريات طفولتك الجميلة في القطيف. كانت الصدفة قد قادتني للرجوع الى مقالي هذا فلفت نظري ماكتبته من تعليق وكم كان مفاجئا انك تتذكر أسماء بعض زملائك ثلاثيا ويالها من صدفة قد لاتتوقعها أو لاتخطر على بالك أبدا حيث أنه في الوقت الذي عرفت أنك قد كتبت هذا التعليق كنت في مجلسا قد ضم أحد زملائك الذين ذكرتهم وهو الدكتور محمد علي المرهون والذي عمل استاذا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.. العالم أصبح قرية بفضل وسائل التواصلات الاجتماعيه.. اتمنى ان تقودك الصدفة مرة أخرى لتقرأ تعليقي هذا…
معلومات جميلة تدكرنا بالزمن الجميل فالف شكر لهدا السرد الجميل