يتم هذه الأيام تداول بعض الصور القديمه التي انتشرت بين الناس والتي تظهر بعض المعالم القطيفيه القديمة المندثرة بعدسة بعض الغرباء الأجانب الذين وثقوا هذه المناطق وخلدوا ذكرها وهي بلا شك ثروة معرفية لها جانبان: الجانب الأول أنها تنفض الغبار من ذاكرة من شهد تلك المعالم وتبعث له بروح التنهد والنزوع إلى الرجوع لذلك الزمن الجميل فيحلق به عقله الباطن ليلفه بدثار نستولوجيته حين تنقله فجأة ليعيش في ذاك العصر الذي هوى في سحيق الماضي، وأما الجانب الآخر فهي ثروة معرفية تحلق بأنظار الجيل الجديد إلى مافوق أجواء الماضي لتعطيه فرصة المقارنة بين زمنين أو أكثر لمكان واحد.
صورة قديمة (لمجمع) سوق الجبله في القطيف والتي أزيلت قبيل متتصف ثمانينات قرن العشرين الماضي.. لقد أرسلها لي العديد من الأصدقاء والمعارف لتحليل عناصرها ولتذكر بعض معالمها وكذلك البعض أرسلها لي لغرض توضيح تلك المعالم.
هذا المصور الذي ذكر اسمه فاعل الخير أعني الذي تجشم عناء البحث عن هذه الصور ثم الحصول عليها أخيرا وتفضل بنشرها مشكورا ولم يكتف بذلك بل نقل بعض المعلومات الرئيسية البسيطه عنها كإسم المصور وهويته وتاريخ التصوير والمكان العام لتلك اللقطات، وكما هو مكتوب: أن المصور أمريكي الجنسية وإيطالي الأصل وإسمه هارلود كورسيني والذي ألتقط هذه الصورة عام ١٩٤٧ وكأنها رسالة جاء بها من وادي الماضي الغابر الى عصرنا هذا استخدم فيها تقنيات بصرية كاريزمية تشويقية وكذلك تم اختيار الزاوية المناسبة لاحتواء عناصر المشهد، لقد استعمل فن التأطير وهو ادخال عنصر (الدروازه) كأمامية للصورة لتكون إطار يضفي على المنظر عمق ميداني قد يفقده المشاهد لو لم يقم المصور هارلود بإدخاله كمقدمة للصوره.
فمن أين أتي بهذه البوابة الجميلة؟ وأي بيت دخله ليتسنى له التقاط هذه الصورة الجميلة المخلده؟ وهل هناك بيت يقابل سوق الجبلة من هذه الزاوية وعلى هذا البعد من جهة الجنوب؟
إنها بلاشك ليست دروازة بيت وإنما هي دروازة المنصورية (التي سبق لي الكتابة عنها في أحد مقالاتي) فالمصور دخل في مبنى مكتب المنصوريه والذي يقع جنوب الجبلة ويفصله عنها الطريق الذي هو شارع بدر اليوم والذي يفصل أيضا بين حي الكويكب وحي الشريعة فالمنصورية واقعة في ظهر حي الكويكب من الشمال..
إن من استطاع أن يرجع لصورة مبنى المنصورية ليمعن النظر فيها فإنه سيدرك إنها نفس بوابة مبنى المنصوريه حيث نجح المصور في إدخال عنصرا فنيا ليكمل به بهاء هذه الصورة أعني عنصر التشويق، فالتأطير الذي ينقل الصورة من روتين تشتت عناصرها إلى ترتيب يوضح موقع وأبعاد كل معلم داخل هذا الإطار الذي يلم جميع هذه العناصر داخل اضلاعه الأربعة.
أضف إلى ذلك أن الإطار يخلق عمق ميداني يدركه البصر من حيث لايشعر به الناظر ولايدرك سبب جمال مايراه في الصوره فيمحو بها السطحية ويثبت العمق الجميل الذي يبرز الأبعاد.
إن البوابة التي جعل منها إطارا استطاعت أن تحصر للناظر رؤية العناصر بشكل منسق ومرتب فهي عندما تظهر لنا العمق الميداني فإن العقل الباطن يقيس الأبعاد بينها بشكل أوضح بسبب إضافة هذا الإطار.
رغم عدم اتساع سوق الجبلة كما ينبغي إلا أنها تشكل عدة أسواق مضغوطة في سوق واحده فمحيطها من الجهات الثلاث؛ شرقا وغربا وشمالا ماهو إلا محلات لبيع أصناف متعدد من السلع كدكاكين دهن الغنم وكناديد التمر ومحلات بيع الإسمنت والجص (قبل انقراضه) وبيع المواد الغذائيه وبيع وشراء الجلود وصناعة الأحذية، فعندما تدخل الجبلة من الجنوب (تماما من الجهة التي انفتحت عليها عدسة هذا المصور هارولد كورسيني) فإنك سترى في نهاية الجبلة من الشمال محلات لبيع المواد الغذائيه يتوسطها في الواجهة متجر آل الموسى ، وهو فرع من وكالة شركة قها المصريه في السعوديه (حين كانوا الوكلاء الوحيدون) والتي استمرت وكالتهم لها حتى بداية السبعينات أو منتصفها.
وهناك لو قدر لك أن تقف في واجهة ذلك المتجر وتلتفت يمينا حيث الواجهة الشرقية لوجدت طريقا يقودك إلى داخل الشريعه يسارا والى أسواق الخضره واللحم والسمك حين تتجه للأمام وعن يمينك من جهة الجنوب عمارة النهاش والتي فيها محلاتهم لبيع الأقمشة ومحلات أخرى، وبمناسبة ذكر هذه العمارة لايفوتني أن أذكر أنها كانت مقر لأول مدرسة رسمية حكومية بعد إعادة فتحها مرة أخرى، أما عن يسارك من جهة الشمال فترى بعض الدكاكين بعضها بقالات وبعضها محلات لبيع بعض مستلزمات ذلك العصر وكذلك مقهي سعيد التاروتي المشهور لبيع الكراعين (الباجه) والكباب.
أما إذا ما استدرت برأسك إلى جهة اليسار باتجاه الغرب فسترى ساباطا مسقوفا واسعا تتخلله عدة كراسي خشبية مستطيله إنها قهوة (مقهى) الغراب المشهوره وتليها قهوة أخرى ثم يتفرع الطريق لجهة الجنوب والذي يرجعك للجبله أو حين تتجه إلى الشمال تم تنعطف يسارا للغرب فإنه يقودك إلى سوق السكة الكبيره ويطل على هذا الممر من الجانبين عدة دكاكين ومنها وكالة جريدة اليوم.
أما الساحة التي تتوسط الجبلة فهي مركز لتجمع الحمالية والعربات التي تجرها الحمير لنقل الأمتعة والبضائع والتي حلت محلها مؤخرا سيارات (العراوي الميلر والداتسون)، وفي الخلف من الجهة الغربية للجبلة يتجمع العمال في الصباح الباكر في انتظار من يطلبهم للعمل كالبناء و الزراعه أو أي عمل آخر، وأما في مواسم الجراد فهي سوق لبيع الجراد.
وفي أقصي الزاوية الجنوبية الشرقية يقع متجر المقابي لبيع الأجهزة الكهربائية ويقابلها في الطرف الآخر في الزاوية الجنوبية الغربية ساحة صغيرة جدا وهي مقر لعربة بيع اللوبيا (القطيفي) والنخج والباقلا بالإضافة إلى عربة أخرى بطراز مختلف لبيع الشربت في الصيف والكباب والتونس والزلابيا والجباتي في الشتاء، وإلى الشمال منها يتمركز بياعي (لصلاوه) وهو قطع صغيرة من الشحم يقلى في الزيت ويقدم في أوراق قضوب اللوز أو في ورق اكياس الإسمنت، كل ذلك في الزاوية التي تلي سوق الدهن من الجنوب الغربي.
وفي نفس الوقت هي سوق للأغنام في الصباح فقط، وعند التحليق في زمن أعمق (كزمن إلتقاط هذه الصوره) سنجدها مرسى لسفن الصحراء التي تجلب الأطعمة من وإلى مناطق البدو كالإقط والسمن وبعد بيعهم بضائعهم فإنهم يسعون إلى التموين وشراء مايلزمهم قبل عودتهم إلى البر ثانية.
والجبلة -فوق هذا وذاك- هي ساحة لتنفيذ القصاص.
وفي يوم العيد تتحول سوق الجبلة إلى معيد يؤمه الناس وخصوصا الصبية والفتيات وكذلك الأطفال بصحبة آبائهم لقضاء وقتا ممتعا بين الباعة ليفرغوا حصيلتهم المالية التي جمعوها من الأهل والأصدقاء كعيديات لهم فينفقونها بكل سرور لشراء الألعاب وأصناف الحلويات والبيض المسلوق الملون واللوبيا والنخج والذره (الفشار) والحب (الفسفس) فترى سوق الجبلة في ذلك اليوم بحلة غير حلتها المعتاده بعيدة عن الإسمنت والجص والتمور والسمن، إنها اليوم بحلتها القشيبه ذات ألوان وأصناف من البضائع الخاصة بيوم العيد التي يتسلى بها الشباب ويفرح بنيلها الأطفال، ولا أنسى هنا أن أربطها بليالي شهر رمضان ففي نهار أيام شهر رمضان المبارك هي سوق الجبلة المعتاده ولكنها في لياليه تمتلئ ساحتها بطاولات البائعين المتجولين لتتحول إلى سوق عامره لبيع الأطعمة الجاهزه للأكل ليلا يتسلى بها الناس أثناء مرورهم وقد يعنى لها البعض لقضاء بعض الأوقات فيها مع الاصدقاء.
هكذا كانت سوق الجبله في تلك الأيام التي طلت عليها عدسة المصور الموثق الأجنبي الأمريكي الإيطالي هارول كورسيني عام ١٩٤٧ ونقلت لنا مايدور فيها آنذاك لنتمكن من مقارنتها مع آخر أيامها وقبل إزالتها إذ لم يبق مايذكرنا بها حاليا سوى الأرض التي بنيت عليها معالمها، ولحسن الحظ فهذا المصور لم يكتف بصورة واحده ولكنه التقط العديد من الصور لمناطق مختلفة في القطيف وذلك قبل ٧٤ عاما تقريبا.
إن أجمل بصمة يتركها السائحون الغرباء في تلك الأيام هو مايوثقونه فوتوغرافيا وسينمائيا وكتابيا لأنها تنقل رسالة من العصر الذي عاشوا فيه في مناطقنا الى عصرنا الحاضر وإلى الغد.
يعطيك ألف عافية أستاذ عبدالرسول على هذا التقرير الثري بالمعلومات.
بعد غمر الساحة في الآونة الأخيرة بعدد كبير من الصور القديمة والتي كان ملفتا مدى جودتها، كانت هناك حاجة ماسة لتصدي شخصية لها دراية بتراث المنطقة ويومياتها القديمة. وحمدا لله أنك استجبت بكل هذه الإيجابية.
أتمنى عليك أستاذي أن تواصل اطلاعك على هذه الصور وانتخاب صور أخرى تعلق عليها كما فعلت هنا وتكشف لأهل المنطقة بعض من خفايا ماضي القطيف فتكون تكملة لمشوارك الجميل الذي لازلت تتحفنا به.
شكرا لك عزيزي أستاذ عادل ووعد مني إن شاء الله أن ابدل قصار جهدي فيما تمكنت منه متمنيا إصابة الهدف المنشود وبك وبأمثالك يتم التشجيع على مواصلة المسيرة في إظهار واحياء تراث وآثار المنطقه
كل عام والجميع بخير وعافية ان شاء الله وعيد مبارك.
كل الشكر للأستاذ الأخ العزيز مصحوب للمصور الذي ترك ارث لنا ققطيفين وتراثنا المفقود ، لقد صحبتني يا استاذنا العزير لرحلة طويلة عشنا فيها كأطفال وصبيه سوى ، لقد عشت في هذا المجمع اذا صح القول سنوات كانت سنوات جميله حيث كانت المنفس للنفس والروح سوى كان مع الوالد المرحوم او ايام الصبى والبحث عن الذات الرجولي في العمل او اللقاء مع من تسنح لك الفرصة بالجلوس معه وتبادل الأحاديث والمرح معه . لقد اخذتنا بهذه الرحلة في كل نواحيها من جناديد التمور وبناية النهاش وما تحتويه من محلات مؤجرة لعدة من انواع التجارة وبجانبها محلات اخرى كمحل المرحوم الحاج عقيل الحداد واخوه لبيع الرز والسكر والطحين المقابل لمطعم المرحوم التاروتي لبيع الباجة ومنها يسارا متجه الى الشمال حيث على اليمين متجر المرحوم صالح القبعة لبيع الأخشاب وعلى اليسار مخبز المرحوم الخضر (الأصمخ) ومخبر علوي الخباز ، اما ماذكرتم حفظكم الله الجهة الغربيه فكانت قهوة المرحوم رضي الغراب وابن عمه حسن (الموجود حاليا في قهوته المقابلة لمجمع الخنيزي ) فكان ذالك الممر دوماً عامر وخاصة في الصباح حيث تجمع رواد هذه السوق ، وبجانب وكالة جريدة اليوم كان هناك محل الحمادي لبيع مواد غذائية وانواع التبغ وكان مومولاً رئيسياً لبيع انواع التبغ ( الزكاير) اما وسط السوق كما ذكرت وعلى الجانب الشرقي للسوق كانوا البدو يتواجدون كل صباح لبيع المواشي ، انا على الجانبين فكانت الجماليه يصفون الحمير المصطحبةبالعربيات (القواري) بمنظر جميل حيث هذه الصفوف كانت تعد بترتيب جميلة في منظر قد تتسأل وكأنه امر حكومي الزامي ، لكنه امر طبيعي.
مرة اخرى كل الشكر لك استاذنا على هذه الرحلة على أمل ان تتكرر في ذكرى اخرى ، وكل عام وانت بألف خير 🙏🏻🌹🌹🌹🌹🌹
أخوك / علي المحيسن
مع كل الشكر والتقدير والاحترام للأستاذ الكبير عبد الرسول الغريافي
على هذا المجهود الكبير 💐❤️🌹
أخوك / عامر الشماسي
كل عام وانت بخير وصحة وسلامة يا رب العالمين
استاذنا الغالي ..
أخوك / محمد أمان
ربما لا تُسعفني الكلمات في قول كلمة الحق فيك أستاذنا الغالي ” أبو محمد عبدالرسول الغريافي ” أتمنى من الله العلي العظيم أن يُمتعك بموفور الصحة والعافية وطول العمر .. 🌹
ملاحظة : تمت مشاركة منشورك على صفحة الفيس بوك ، وهذه الردود أعلاه ☝🏻